
احنا هنا في عزبة بخيت قالتها أم هاشم وهي تصعد أمامي الهضبة ، كم كان الصعود مرهقا كنت اصعد بصعوبة بالغة واسند يدي على الحائط بجانبي حتى لا أقع خاصة أن الارض الضخرية غير ممهدة ، عرضت على السيدة المساعدة الا أنني رفضت بعدما وجدت أمامي أطفالا صغارا لا يصلون لمستوى وسطي يقفزون بكل ثقة زي القرود وهم يصعدون نفس الهضبة

فجأة لمع في ذهني اسم عزبة بخيت فتذكرت ما قرأته عنها في صفحات الحوادث حيث ارتبط الاسم بالبلطجة والمخدرات ،فتملكني الخوف قليلا ولكن لم يكن هناك مجال للتراجع وقلت لنفسي العمر واحد والرب واحد وقررت استمر في الصعود بعدما القيت نظرة مطمئنة الى المصور الصحفي أستاذ سيد الذي كان بصحبتي وهو يعمل معنا في جريدة الشروق

الاهالي هنا مصرون على أن نعتلي الجبل معهم لنرى بأنفسنا ونسمع عن حكايات تتشابه مع حكايات ألف ليلة وليلة ،
الوجوه السمراء تحدق فينا لأننا غرباء وعلمت أن لا مكان هنا للغرباء ولكن طالما معنا أم هاشم وزوجها فليس هناك خطرا هذا ما فهمته ،شيئ غريب شعرت به عند دخولي هذا المكان فهو يبدو للوهلة الاولي مكان سياحي من الدرجة الاولي يذكرني باللقطات التليفزيونية عن البيوت في لبنان ولكن مناظر القمامة المتراكمة وكثرة الزباب وتواضع البيوت الخشبية والصرف الصحي العشوائي تجعلك تلغي فكرة السياحي هذه من دماغك

لا وجود للحكومة هنا ،وسرعان ما تذكرت كلمة الفنان أحمد السقا " النهاردة مفيش حكومة أنا الحكومة" في فيلم الجزيرة الرائع ، فالخدمات مسئولية الاهالي والمياة هي أكبر عذاب يواجهه سكان عزبة بخيت فجركن المياة يباع هنا مرة بجنية ومرة بجنية ونصف وساعات باتنين جنيه حسب تحكم البلطجية هذا ما يؤكده الاهالي هنا مع العلم انهم يحتاجون من 3 الى 4 جراكن في اليوم على الاقل

مشاهد انهيارات الصخور حولي تهدد بكارثة والاهالي يعلمون أن الكارثة ستقع ستقع ولكن ما باليد حيلة فمهندسو حي منشية ناصر حسب كلام الاهالي يطلبون منهم رشوة خمسة الآف جنية لكي يصدر قرار ازالة لمساكنهم ويعيد تسكينهم في مساكن النهضة الجديد

الان وصلت الى أعلى قمة يسكن فيها الاهالي تحديدا في شارع الصدفي التلتات حيث تفاجئ بالمياة السوداءأو الصرف الصحي تتدفق من أعلى الجبل وقد تناثر بعض الرزاز على وجهي بسبب قوة اندفاع الهواء في المكان المرتفع فلم أشأ أن أظهر امتعاضا بشكل يثير حساسيتهم، والشيئ الغريب أن الاهالي يعلمون أن الصرف الصحي هو السبب الرئيسي لتشقق الصخور وانهياراتها ، ولكنهم فقراء العين بصيرة واليد قصيرة0

واقتربت من حافة الهضبة وهنا حيث أقف اكاد افقد توازني سقط أطفال كثيرون استيقظ الاهالي على صراخهم وتحطم اجسامهم الصغيرة أسفل الهضبة ، وعلى يميني انقاض منزل سقطت الصخور فوق رؤس اصحابها حيث شاءالقدر ألا يستيقظوا ابد من سباتهم ،وعلى شمالي مكان تمزقت فيه ملابس فتيات بلا حساب تحت ايدى ذئاب بشرية لا تعرف الرحمة 0
انتابني خوف شديد ولكن الاهالي اكدوا لي اننا مازلنا في النهار وأن ظلمة الليل سبب كل بلوى هنا حيث تكسوا المنطقة ظلمات من فوقها ظلمات فالبلطجية يقتحمون البيوت الهشة للسرقة ويهددون كل من يقف أمامهم بالمطاوي والسنج
في الليل أيضا تكثر الغرز وتنتشر روائح الحشيش ، لا أحد يستطيع أن يقف أمامهم فرغم أن الشباب الصالح هنا كثيرون الا أن سلطة البلطجية وتجار المخدارات أقوى فالمعادلة هنا أن البلطجية تغلب الكترة وان كانت شجاعة

تسلل الى أنفى فجأة رائحة حريق فقالت لي أم هاشم وهي تشير الى تل من القمامة انها ابخرة فقط ، فالشيئ الوحيد الذي نجح فيه الاهالي هنا هو الاستعانة ببعض أفراد فريق الاطفاء حينما تشتعل النيران والتي تشتعل كثيرا بالمناسبة بسبب تراكم القمامة والمخلفات
وحينما قررت المغادرة شدني طفل يقترب عمره من الثامني سنوات جذب ملابسي بقوة بيديه بشكل لا يتناسب مع سنه الصغير وسألني هل ستزورينا مرة أخرى؟ فقلت له ربما، ثم قال لي "أنا بكره الجبل " اقتربت منه وسألته بدوري لماذا تكرهه؟ قال لي "لأنه معفن ومقرف" وتابع" أنا عايز أعيش في مكان تاني بس معناش فلوس عايز اسكن في مكان بعيد قوي عن هنا هل ستساعدينا؟ " وجهت نظري اليه في أسف وابتسمت في حزن وودعته وأنا أسأل نفسي بدوري هل استطيع فعلا مساعدته ؟
الرسالة الثالثة من الدويقة داليا العقاد