كل من في البيت يعلم انني أعشق شيئ اسمه الكريم كراميل، لا تقولوا أرز باللبن أو مهلبية أو قطعة جاتوه أو تورته الفواكه أو حتى التشيز كيك، الكريم كراميله كان في نظري له طعم خاص رغم بساطته وقلة تكلفته.
من حوالي عشر أعوام أو أكثر، كان الكريم كراميل أول شيئ تعلمته في عالم الطبيخ ، وكانت "نانا" أول من شجعتني قالت لي المثل الصيني "علمني أن أصطاد خير من أن تعطيني سمكه"، صحيح أنها علمتني ولكنها كانت تصنع طبقا لذيذا لا يقارن بأى طبق ممكن أن اعمله حتى ولو كان تحت اشراف أمي.
كانت " نانا" تنتظرني في البلكونة التى تقع في الطابق الاول وفي خلفيتها حديقتنا حيث تظهر شجرة المانجو ، تناديني اذا لم أزورها في هذا اليوم وهي تبتسم ابتسامة ذات مغزى " تعالي صنعت لك الطبق المخصوص"، وعندما تنشغل بالخياطة ترسل لي خبرا عبر والدي "أن انزلي فورا فالطبق ينتظرك في الثلاجة".
من الغريب أنني كنت الوحيدة التى أحب هذا الطبق ، ولكن مع مرور الوقت أصبح الطبق الذى ترسله لي يتناقص منه ملعقة أو ملعقتين في البداية نهاية بأكله كله من أخواتي وياويله من أكله.
السكر المحروق أكثر ما يعطي الكريم كراميل طعمه المميز حيث يتم صنعه وضعه أول شيئ في طبق المخصوص لصناعة الكريم كراميله قبل سكب كافة مكوناته من بيض ولبن وفانيليا، الان بعد أن توفيت "نانا" أمس وبعد صراع طويل من أمراض الشيخوخة لم أعد اتذوقه ولم يعد لي نفس الشهيه لاكله، الآن كل ما تبقى من طعم الكريم كراميل في حلقي هو مذاق السكر المحروق.
الذى يجعل "نانا" جدتي من والدي مختلفة عن جدتي من والدتي "ماما توته" رحمهما الله أن الاولي كانت تسكن في نفس الفيلا معنا وكانت بتربي أكثر ما تدلل لذلك كنا نتضايق منها ونحن صغار، لم نكن نشتاق لها لاننا تقريبا كنا نراها كل يوم – رغم كبر سنها كانت بتطبخ وتطلب منا أن نأكل عندها- والحقيقة أننا بعد كبرنا أدركنا نحن أننا كنا أشقياء جدا.
كنا نلعب كرة السلة على أحد جدران منزلها المؤدى الى الحديقة، نصدر ضوضاء بسبب لعبة عسكر وحرامية أو كهربا، نصدر الصيحات أثناء تمرينات لعبة الكاراتيه في العصرية حيث موعد مجيئ الكابتن لتدريبنا رغم أن هذا موعد نومها، نبهدل الحديقة ونقطع الزهور، حتى الزرع المسكين كان يتنحل بسبب كثرة لعبنا بالدراجات.
كنا نأكل الجوافة ونهز أشجار المانجو والتوت فنأكل ثمارها بعد يوم مجهد من اللعب، وكان أكثر شيئ يعفرتها مننا هو منظر الطين الذي يلوث وجوهننا وأيدينا وعندها كانت تصرخ بصوتها الرفيع " باااااااس كفااااااية أنت وهوا كله يطلع فوق".
أحمد الله أني كنت بجانب "نانا" هذا اليوم سبحانه من وفقني أن أقف بجانبها وأساعد في تغسيلها وأرى ابتسامتها قبل أن نضع عليه الكفن الابيض وأخرج من عندها الى الحديقة التى طالما ملئتها بصخبي لارى ثلاث أزهار وردية اللون فاتنفس عبيرهما لاجده مختلط برائحة الورد البلدي المنعشة مع رائحة نانا المميزة رائحة المسك والكافور.