Thursday, December 31, 2009

توته ..توته.. فرغت الحدوته









كان يا ما كان كان في زمان واحدة اسمها توته لديها 3 أولاد و5 بنات توفي زوجها وهي في ريعان شبابها، لكن هذا لم يجعلها تقصر في تربية أولادها ربتهم على الدين والخلق القويم، تفرغت لهم دون أن تفكر لحظة في الزواج أو حتى أن تبد أى اهتمام ببهرجة الحياه الخادعة ، لذلك لم يكن غريبا أن يكون اللون الاسود هو المفضل لديها .




مرحة جدا ملامحها دقيقة جميلة، ووجهها كالاطفال أما ضحكتها فهي مليئة بالحنان، وحضنها واسع يمكن أن يسع الدنيا ومن فيها، وقبلاتها لها صوت محبب الى النفس كما ان لها طابع مميز على الخدين لا يمكن أن يمحوها الزمان.




كانت قضيتها الاساسية العلم وكيف يصبح اولادها في يوم من الايام مواطنين صالحين في بلدهم، لذلك حرمت نفسها من كافة المتع التى تشتهيها أى امرأه في العالم، لتدخلهم أحسن مدارس فكانت نتيجة صبرها وتوكلها على الله أن حقق الله أمانيها بتفوق أبنائها دراسيا وأخلاقيا فالتحقوا بأفضل الكليات،البنت الكبيرة دكتورة والاخ الصغير مهندس ، وبينهما خريجي هندسة و إعلام وتجارة ودار العلوم.




عندما يأت الليل كانت تتألم وتمسح دموعها وهي تفكر كيف ستدبر مصاريف البيت ؟ فترفع كفها بالدعاء وتنظر الى السماء واثقة في قدرته ، فوهب الله لها قلبا خاشعا وعلما نافعا ودعاء مستجاب ، كما أعطاها حكمة الدنيا " أعمل لدينك كأنك تعيش أبدا وأعمل لدنياك كأنك تموت غدا"وتفكير أبدى في الاخرة، اكاد أسمعها الان تردد " أكثر حاجه تخليني أغيير من شخص أنه يكون متدين أكثر منى ويكون ده دافع لي ان أحفظ أيات قرآن أكثر أو أعمل حج وعمرة أكثر".




الطيبة مع الذكاء، الخشونة المغلفة بالرقة مزيج مدهش من المعادلة التى ربت عليها البنات والبنين ، الدلع ممنوع والتسكع في الطرقات ذنب كبير لا تغفره، وياويله يا سواد ليله من تشتكي منه المدرسة أو تكتشف كحكه واحدة في الشهادة.




هذه المعادلة ذات التوفيق الالهي هي من مكنتها من التغلب على الفقر وتعيد اكتشاف الحياه البسيطة دون أن يعوقها أن في ذيلها 8 عيال منهم طفل لم يدخل بعد المدرسة وطفل آخر في المرحلة الاعدادية وبنات في الجامعة طول النهار بيقولوا "يا ماما عاوزين محتاجين اشمعني هما وإحنا لأ"، لكنها نجحت في تربيتهم، لو كنت وزيرة للاسرة لاعطيتها جائزة الدولة التقديرية في التربية والعلوم والثقافة والتحمل فضلا عن قيمة مالية كبيرة.




العيال كبروا صارو دكاترة ومهندسين ومديريين وزوجات وأزواج ناجحين، العائلة كبرت ومسئولياتها كبرت أيضا، وهي ، توته مازالت أرملة محتفظة بحزنها الاصيل على زوجها تنظر لصورته التى تزين مدخل بيتها من حين الى آخر في رضى وصبر وابتسامة تعلم جيدا انه يراها منها، أكاد أجزم انها ليست ابتسامة عابرة، ربما تكون هذه الابتسامة هي الدافع الاول لدي لكي اهدي لها صورتي التى أبدو فيها وسيمة يمكن للمرة الاخيرة في حياتي لا يهم، فأضعها في برواز ذهبي انيق وأقول لها تفضلي يا أجمل توته في الدنيا كلها .




الآن اتذكرها وهي تصفني بـ" ست البنات "، ثم تقول لي تارة "الست الانجليزية" وتارة أخرى "بالصحفية الدنماركية"،عقب كل سفرية أقوم بها ، فضلا عن ذلك تشجعني وتقرأ لي وتدعو لي وعندما أسألها الدعاء تقول "آمال أنا بدعي لمين"، ثم تقول "عقبال ما أشوفك صحفية كبيرة ورئيس تحرير"، تفتخر بالجرائد التى أعمل بها وسط أقاربها وتحتفظ بنسخ منها وتطالبني بالمزيد وتدعو لي بالتوفيق.




لم يكن غريبا أن تكون مثقفة حتى مع كبر سنها، لان هوايتها القراءة، حقا لقد تعلمت منها أن شيب الشعر قيمة كبرى ، لانه يحمل في طياته الحكمة والتضحية والذكاء بدليل انك يمكن جدا ان تتناقش معها في كل الامور بدء من السياسة حتى الاقتصاد والقانون، فتجيب بكل بساطة، عهدى دائما بالجدات المصريات انهن شغوفات أكثر بالراحة والاسترخاء ومشاهدة التليفزيون أو الخياطة لكنها لم تكن مثلهن أبدا لم تكن مثلهن .




لا أعلم كيف اختم الحدوته ،هل عندما أصابها السرطان الخبيث لينهش في عظمها دون أن نتمكن من صده، أم عندما قلت لها يا ماما توته بعدما زادت معاناتها ستصبحين زي الفل فقالت في ضعف من وراء قناع الاكسجين "أنا عايزه أكون مع ربنا أحسن" أم اختم الحدوته عندما طلبت منى أمي أن أتصل بجارتنا لكي اطلب منها الحضور لتقوم بغسلها وتكفينها، أم عندما رأيتها لآخر مرة في حياتي تدخل تابوتا خشبية بني اللون مصيره الدفن تحت التراب؟




سأختم لجدتي توته بالدعاء ولموتي المسلمين وللناس جميعا بالرحمة مردده"إنا لله وانا إليه راجعون"، "أحسبك عند الله شهيدة والقاك في الجنة ان شاء الله مع الصدقين والشهداء والانبياء، يا أحلى توته في الدنيا".
















14 comments:

dr.lecter said...

الله يرحمها ياداليا كلامك وجعني بجد

علياء حامد said...

البقاء لله يا داليا، شدي حيلك يا قمر أنا عارفة انك جامدةوأكيد واحدة بالصفات دي هايكون مكانها الوحيد الجنة إن شاء الله

mohamed said...

كان معاها حق تكون مع ربنا احسن وارحم

Anonymous said...

Dear Dalia, Ana Ahmed the youngest son for Mama Touta and your Uncle. Ana Habeeb Mama Touta as she was naming me and said just before her death, thanking you for the great words and asking your readers to pray for me, I want to see Mama by all means, we all beleive she is beside our profit and she will ask Allah to get us with her when we die, I'll wait for that day to be again closer to Mama, I loved her more than any one in life. Thank you for all. Ahmed

dalia said...

dr.lecter
أشكرك اعلم انك تحس بي لان لك تجربه مشابهه ، أما بخصوص الوجع فأنا موجوعه أصلا وصبري الوحيد انها مع الله في مكان أفضل كثير ا من الدنيا الفانية
شكرا على تواصلك ودعواتك

dalia said...

علياء الجميلة
سعيده بتواصلك واهتمامك بحضور الجنازة أمس متكبده مشقه للوصول الى مكان مسجد أبو المكارم بطريق صلاح سالم ربنا يكرمك ويعطي لك أجر بنفس مقدار المشقة التى تكبدتيها وجزاك الله خيرا
يارب يا علياء ادعلها وجميع الناس بالرحمة والجنة
تحياتي

dalia said...

محمد
الصديق الوفي
جزاك الله خيرا، هي فعلا كان عندها حق بس انت عارف هي حتوحشنا قوي لانها حد مش حتكرر أبد الله يرحمها ويصبرنا على فراقها
تحياتي

dalia said...

خالو أحمد
كلامك أبكاني كثيرا،ربنا يصبرك على فراقها ولا تشكرني على الكلامات فانها أقل ما يقال عنها،
ولكن هكذا الحياه،
ولك جزاء الصابرين ان شاء الله ،ودايما أنا بقول لماما الحمد لله أن الله لم يفصل العلاقة كليا بين الاموات والاحياء بل جعل هناك صلة مهمة جدا تتمثل في الدعاء"لا اذكرك بولد صالح يدعو له" الحديث الشريف،كذلك الصدقات لان فوائدها تصل لها في قبرها،فضلا عن قراءة القرءان فليس شرطا أن تقرأه بالقرب من قبرها ولكن من أى مكان، والعمرة والحج يصل اليها

وممكن كمان تقتضي بالرسول صلي الله عليه وسلم الذى ظل على علاقة جميلة مع زوجته خديجة حتى بعد وفاتها بزيارة أصدقائها وأقاربها ، صدقني كل هذه الاشياء تجعلك على اتصال دائم معها دون أن تتمنى الموت
على العكس هي تحتاجك أن تعيش على القيم التى علمتها لك وتربي بناتك على الاخلاق والدين القويم لان ثواب هذا يصل اليها ان شاء الله، تحتاجك أن تكون انسان متميز في عملك تحتاجك أن تكون مبسوط لان سعادتك من سعادتها وتألمك من ألمها
كما انها تحتاج مننا جميعا أن نظل مترابطين غير متفرقين بعد وفاتها اتمنى والله ان نخصص يومين في الشهر للاجتماع والدعاء لها وقراءه القرءان كجزء من رد الجميل لها.
تحياتي لك

زين الدين said...

هكذا الحياة لقاء ثم فراق ، وهكذا تعلمنا منها ان الاحباب لا شك ذاهبون ولكن عزاؤنا اننا ودعناهم وفي قلوبنا حبا لهم
يشهد الله لكم حزنت علي فراقك يا جدتي الحبيبة ولكم كان الوداع صعبا مع غربتي التي منعتني من وداعك ولكن حيث يكون الحب في الله لا يكون للمسافة قيمة واسال الله ان يتقبل دعائي لكي ويشفق علي دموعي ويستجيب دعاء المضطر الذليل الضعيف
لقد تركت فينا اثرا صالحا لا يمكن ان ننساه وهو الخلق العظيم والصدر الذي يسع كل اساءات الناس
والصبر والرضا والحمد الدائم لله
لن ننسي القلب الجميل
ولن ننسي الا من اتى الله بقلب سليم
الي لقاء اكيد في كل دعاء في كل ذكرى في سورة ال عمران التي طالما احببتها في كل خلق تعلمناه منك
في عين امي
واسال الله ان يكتبك من رفقاء الحبيب في الفردوس الاعلى من الجنة
واخيرا الي لقاء هناك عند حوض الكوثر حيث اللقاء الحق
نسأل الله ان يلجقنا بك علي خير
ايها القلب السليم

dalia said...

الاخ الحبيب زين
كلامك يقطر حزنا وعطفا بلا حدود، لكن يعجبني روح المقاومة للحزن رغم غربتك عجبني جدا قولك ان الحب في الله لا يجعل للمسافة قيمة،هذا ما تعلمناه منك يا زين فرغم بعدك عنا إلا انك قريب جدا الى قلوبنا وعقولنا حتى اننا لا نشعر ببعدك عنا فحين يحن قلبى الى رؤيتك اجدك تتصل بماما وتطمئنها عليك وحينما أشتاق الى صوتك أراك تكلمني أو ترسل لي رسالة، وحينما أريد ان اقترب منك أمسك صورتك التى أضعها أعلى مكتبي حيث تتلامس وجوهننا وأيدينا
ولم يكن غريبا ان نظل على هذا الحب لان من علمت أمي الحب كانت هي الحب نفسه
الله يرحمك يا ماما توته نلقاك على خير يا حته من أرواحنا جميعا

مـحـمـد مـفـيـد said...

العزيزه داليا
اولا البقاء لله
ربنا يجعلها مع الحبيب المصطفي جنه الخلد
ثانياً
لاء مفرغتش ولا هتفرغ الحدوته
لان طول ما في نماذج زي جدتك العظيمه دي بجد
هتلاقي كل لحظه ليها ذاكره خالده تزيد من ميزان حسناتها
تأكدي
ان في ناس كتير جاءت ل لدنيا ومشيت ولا حد فاكرهم
انما جدنك وامثالها فبيكونوا خالدي الذكر

اسف لعزاءي المتأخر

dalia said...

الصديق محمد مفيد
شكرا لك ويارب يستجيب الله لك ويرحم جدتي ويوسع مدخلها، بتفق معاك ان جدتي حتبقى في ذاكرتي وذاكرة كل من أحبها ، لكن كم هو صعب الفراق بجد حتوحشني كتير، ربنا يصبرنا
تحياتي

أُكتب بالرصاص said...

عليها رحمة الله


حاسس بك ،

فقدان الأحبة من الأمور المؤلمة ،

لكن اليقين بالله وأنها الان بين يدي رحمته

يجعلنا نتحمل الألم

البقاء الله

dalia said...

اكتب بالرصاص
شكرا على دعاءك وتعازيك، اللهم ارحم موتانا واجلعهم في جنات النعيم
تحياتي